سرحت بعيدا فيما دخل الطلاب الى القاعة دون ان تنتبه لوجودهم، كانت تحاول ان تجمع شتات نفسها للبدء بالمحاضرة، فلم تفلح؛ كما لم تفلح بالتعاطي مع زملائها الأساتذة، فثمة حديث عن الموت والحرب والشباب ، يغمرها أسى وحسرة .
نظرت الى مدرج الطلاب ... كان مكانه ما زال فارغا في الصف الأول منذ بداية السنة الدراسية ، ولكنها تتذكر شكله وحديثه ونقاشه ... كان متفوقا وجريئا ...
ترى ... ما ردة الفعل عليهم حين يسمعون الخبر؟ لأنهم شباب في مقتبل العمر ما زالت قلوبهم غضة على تحمل الجراحات !
ما حال أهله الآن ؟
كيف سيكون مستقبله ؟
من سترضى ان تكون زوجته ؟ وكيف سيمسك يدها ؟
هل سيحمل طفله يوما ما ؟
شعرت بهواجس مظلمة تحيط بها ... تململت في جلستها ، كان الطلبة ينظرون إليها باستغراب ... سألت بتردد ... هل تعرفون أخبار زيد ؟
واذا بالرد من اخر القاعة ... " زيد البطل بخير ؛ مجرد إصابة " .
أصوات الطلاب بدأت ترتفع، تحول الهمس الى حوار ، والحوار الى ضجة ...
ترك الطلاب كراسيهم، الأمر اكبر مما تعتقد، لذلك وقفت تنصت كواحدة منهم ... شعرت معهم بشيء من الاستقرار ...
كانت الأسئلة والأجوبة على مسمع الكل ...
أين هو الآن ؟
ما نوع الإصابة ؟
هل أجرى العملية ؟
هل ينفعه طرف صناعي؟
كم يكلف العلاج ؟
يبدو انهم اربط جأشا مما كانت تعتقد، تنفست الصعداء ، وحمدت الله انه هناك من يعرف تفاصيله وانه بخير ...
في صباح اليوم التالي وأثناء دخولها للقسم ... قرأت في لوحة الإعلانات دعوة لزيارة بطل المرحلة الثالثة الذي التحق في الحشد الشعبي لحفظ امن وسلامة الوطن ، مرفق بوصل تسديد أجور المستشفى من قبل طلاب المرحلة بمبلغ مليوني دينار مع وصل لصناعة طرف صناعي ﻻحقا ، وكلمة شكر وتقدير بأسم طلبة وطالبات القسم مذيلة بعبارة " زيودي حتى زواج نزوجك بس ارجع النه سالم يا بطل " .
تساقطت دموعها دون ان تشعر ... كانت تشعر بمزيد من الفخر والامتنان لوجوههم الباسمة الصامدة التي لم تهتز الا لأداء الواجب ...
دخلت القاعة بحزم كالمعتاد، وأعلنت على الملأ ...
" انتم الجيل الذي سينتصر ، وبكم سيصلح الله البلاد ... شكرا لكم من كل قلبي ".
لبنى مجيد حسين
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري