حضره ذاتَ يومٍ جماعةٌ من الشيعة، فوعظهم وحذّرهم، وهم ساهون لاهون، فأغاظه ذلك، فأطرق مليًّا، ثم رفع رأسه إليهم، فقال:

"إنّ كلامي لو وقع طرفٌ منه في قلب أحدكم، لصار ميّتًا. ألا يا أشباحًا بلا أرواح، وذُبابًا بلا مصباح، كأنّكم خُشُبٌ مُسنَّدة!"

في زمنٍ كانت فيه القلوب أكثر خشوعًا، والآذان أكثر إنصاتًا... كان الأئمة (عليهم السلام) لا يكتفون فقط بنقل العلم، بل كانوا ينفخون الروح في كلماتهم، يوقظون القلوب، ويغذّون الأرواح.

الإمام الباقر (عليه السلام)، إمامُ العلم والتقوى، لم يكن يتحدّث عبثًا، بل كلُّ كلمة تخرج من فيه، كانت تنبع من نور الرسالة، ومتّصلة بجذور النبوّة.

وفي أحد الأيام، اجتمع حوله بعض الشيعة يطلبون النصح والهداية، لكنّهم حضروا بأجسادهم فقط... وقلوبهم كانت غائبة، وعقولهم مشغولة!

فغضب الإمام، لا لنفسه، بل لأجلهم، لأنّهم فوّتوا على أنفسهم فرصةً لا تُقدّر بثمن.

فكانت له هذه الموعظة العجيبة، التي تزلزل القلب، وتوقظ الضمير، وتعلّمنا فنَّ الاستماع الحقيقي... الإنصات من القلب، والتفاعل من الروح، والاستجابة بالوعي.

ختامًا، يا مَن تسمعون كلام الأئمة (عليهم السلام)، اعلموا أنّ فرص الحياة قليلة، وأنّ النصيحة النابعة من قلبٍ صادق، هي من أعظم الهبات.

لا تكونوا كالخُشُب المُسنّدة، ظاهركم يُوحي بالحضور، وباطنكم فارغ.

أيقظوا قلوبكم، واجعلوا كلام الصالحين مصباحًا يُنير دربكم، فالرّوح التائهة إنما تجد نجاتها في الإنصات للحق والعمل به.

تذكّروا أنّ من حاز قلبًا يُنصت، وعقلًا يتدبّر، ونفسًا تتّعظ، فقد حاز خيرَ الدنيا والآخرة.

فلتكونوا ممّن يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنَه.