سمعتها واستوحشت منها، حين رأيتها تنوح لعظم الفاجعة وتضرب لي مثلا قاسيا، بأننا في ايام أتعس من ايام صدام؛ فلم يحصل بنا مثل هذا من قبل ؟!

مه ايتها الجاهلة وأي داع للمقارنة ؟

هل كتب علينا القتل في كل زمان حتى صرنا نقيس القتل بالقتل والحرب بالحرب ؟

وماذا حدث ؟

تناثرت أجساد الأبرياء ، اطفال ونساء ، على رصيف سوق فقير؟!

فعلا البعيد عن العين بعيد عن القلب ...

أنسيت انتفاضة شعبان ؟!

هل صككتم أسماعكم عن شهقات الموت تحت التراب ؟!

هل كنتم بعيدين عن تلك الحفر الكبيرة في الروح حيث ينزل فيها حمولة سيارات البشر الفقراء ثم يصار للرمي العشوائي ثم رمي التراب وسحقه بجرافات البعث الصدامي ؟!

هل كنتم بعيدين عن بوابات الأمن ولم تقراءوا ما كتب عليها من كتابات المعذبين وبصمات المتألمين وآثار دماء المسحوقين وروح عالقة ما زالت تبحث عن بقية جسد قد علق بسوط جلاد هنا او هناك ؟!  

اي عين تملكون ان جهلتم ان شبابا بريعان الصبا كانوا يتقافزون للدفاع عن الأضرحة بعد ان اغتسلوا غسل الشهادة ؟! ثم تعثرت بأجسادهم الكلاب بعد ان نهشتها أجهزة الأمن وهي تهاجم كربلاء.

وقبلها ... كان سوق أبائهم تسفيرا ، واحتجاز عوائلهم ورميها على حدود الوطن ؛ يموت من يموت ويبقى من يبقى ليعرف بعد عشرين عام ، أن مفقوده قد صعد لله منذ أول يوم اعتقال .

 لطمت لوجهها فزعا وجزعا ثم شهقت فلم استطع الا مسك عضدها بقوة وقسوة لدرجة تغريني بضربها حتى تفيق ، او تموت لترتاح مما ﻻ تعقله ...

اسمعي يا هذه ، ان عدو الأمس هو عدو اليوم ﻻ غيره ، وقد دفعنا ثمنا كبيرا للتجربة فيما تدور انت وأمثالك حول انفسهم بسفه ،  ليست المصيبة في تفجير السوق فقد سبقه الكثير ، بل المصيبة في هذه الغفلة .

ان رجالنا على السواتر يتجرعون الفقد ويجمعون الأشلاء منذ سنتين بحربهم مع داعش ، فلم ترف لهم عين بانكسار بل تسابقوا لكماﻻت لم يألفوها ولسان حالهم يقول لقد تغيرت أرواحنا واستجابت لنداء عظيم ...

أريد شد العزم بالعزم ، بدل البكاء على الفقد ، فالفقد ليس جديد ... الجديد ان عدو استطاع الدخول الى عقولكم ففرقها ، والى أرواحكم فأوهنها ، والى قلوبكم فزلزلها ، وها انتم تنوحون بغضب يغلي ، ينفجر بوجه بعضكم البعض دون جدوى ، فيما يربض الأسود على نقاط حراستكم بقلوب كزبر الحديد ...

أنا ﻻ اقلل من حق الصاعدين الى ربهم في هذا الزمان ، ولكني ﻻ أنسى الصاعدين في مدارج كمالهم وصبرهم على أداء التكليف ، وﻻ اتركهم يواجهون رأس الإخطبوط لوحدهم ، حتى ان كنت أتلقى ركلات اذرعه اللعينة في خاصرتي وروحي ...

ان من يفجر ويقتل هو ذات العدو ؛ لكن هم يصمدون ونحن نهدم انفسنا ...

 عدونا الدواعش والتكفير والتطرف ومن يعبأ الأمساخ من كل الدنيا لحربنا ، ومن يدافع عنهم ، فكيف نعجل به ضربة قاضية قبل ان تنجح اذرعه في لي أعناقنا.. . كيف ؟

نعم كيف ... هذا ما كنت أفكر فيه قبل ان يربكني نوحك ، من حقك ان تبكي أفرادا ولكن دعيني أفكر في جراح وطن .

لبنى مجيد حسين