وكأن رحى الايام تدور ، فتعيد مآسينا الواحدة تلو الأخرى ، لتتوائم مع صور خلدت في ذكرياتنا ووجداننا ، معلنة بذلك عن ولادة ذكريات جديدة مخضبة بدموع الوالهين .

فجعنا قبل ايام بما اهمل العين دما ، بوفاة الطفلة " آيات " التي ابت الا ان تشارك سيدتها ومولاتها رقية عليها السلام في واعيتها بالفاجعة الكبرى وهي ترى رأس ابيها الحسين الشهيد عليه السلام .  

فما اشبه الليلة بالبارحة .

آيات الصغيرة ابتلت بمرض يسال الكبار منه السلامة ، أنه مرض الفراق ، ويا له من مرض عضال .

آيات التي راحت تتأسى بمولاتها رقية عليه السلام ، تشابهها بغضة الاحساس فيها وشفافية الروح ، بل ورقرقة مقلها حتى .

آيات التي راحت تتأسى برقية ، من خلال فراق ابيها ، فأثرت الرحيل كما رقية ، لتلج روحها وراء من رحل مع الصديقين والنبيين وحسن أولئك رفيقا ، تاركة هذه الدنيا الفانية ، بروحها التي غفت برفقة اباها الشهيد  .

وجاء موعد الأقدار ، والقول في ذلك ليس كباقي ما سلف ...!

فقد كان لعائلة " آيات " مع بدايته موعد للوعة الفاجعة التي لاينتظرها احد ...

أنه يوم ليس كباقي الايام ، فمنذ بداية النهار فيه ، ومع سويعاته الاولى ، كانت حمائم السلام تحوم فوق سطح الدار وهي مضرجة بلون الغار الدموي ...

أنه خبر الاستشهاد !

فسكينة ذلك اليوم لم تطول .

الكل يعلم أن حب الاباء لأبنائهم بالفطرة ، ولكن تعلق الاطفال بإبائهم بالمعشر والتلطف ، وهو يختلف من شخص لأخر ، فكان الحسين عليه السلام يحب رقيته عليهما السلام حبا جما ، وهي الأخرى كانت تبادله ذلك بذوبان وولهٍ ، لم لا وهي بضعته ؟ حتى انها كانت تجلس في حجره وتفرش له سجادة الصلاة وتقول : " ابتاه لقد حضر وقت الصلاة " وكان الحسين عليه السلام  اذا نظر اليها بكي !!! ويجيب من يسأله عن ذلك معللا بأنها : " تذكرني بأمي فاطمة " .

روي التأريخ عن هذه الدرة الفاخرة " رقية " التي رفضت ان تودع ابيها قائلة : " ابتاه لا اريد توديعك ، فكلما ودعت احدا لم يعد " ، فيجيبها بموعد في الشام !

وهذا عين ما سجله وعي آيات في هكذا عهود ، وأن أختلف الزمان والمكان .

فها هي تزهر فوق نعش ابيها كما ازهرت  رقية فوق راس ابيها عليهما السلام .

وكما عللوا سؤال رقية عن ابها بأنه " مسافر " تعللت آيات بذلك وهي تنتظر عودته ، ولم تعي أنه عاد ، ولكنه  شهيدا .  

وكما كّبر جرح رقية على ابيها في الخربة ، وانحت مستريحة لما جرى عليها طول مسيرها هذا ، فقد كّبر جرح آيات فوق نعش شهيدها وكانت له قربانا مقبولا !

وها هي " آيات " تشاطر رقية بشجوها ، فواحدة على الراس والثانية على النعش ، وكلاهما ترنو لعناق ذلك المسجى ، ولسان حالهما يقول : " اريد توديع ابي " ، وتفيض منهما بذلك شهقة عاجزة ، وكانت منهما اخيرة .

ففي لحظة العناق الطهور هذا ، تركت " آيات " زمزم الدمع لأمها ، ووجع بلاء الفقد هذا ، لترسم لنا بذلك صورة وجدانية حزينة اعادت على أذهاننا مشهدا لطالما هز قلوبنا جميعا ، أنه مشهد رقية وهي تحتضن الطست الذي يفيض بعبق دم الشهادة .

أيه يا آيات ، وأية آية تمثلتك وانت تتقمصين رقية ؟

فبالله عليك يا غصة من الم ، من علمك فن الشهادة هذا ، وانت تكررين فيه يوم من ايام خربة الشام ؟

اسالك يا رقية هذا الزمان الظلوم ... ما كان قول الحسين لك وهم يشيعوك وابيك اليه يا شريكة وصديقة ابنته ، بل يا ابنته ؟

ومن المؤكد أن السيدة فاطمة الزهراء كانت بمحضر نعشك وعزائك ، لأنك قد ايقظت لها جرحها الذي ما زال طريا في عزيزة الحسين ، وذكريته بأمه .

حري بأن يكتبوا على قبرك الشامخ ذاك ، وان لم يكتبوا ، فقد كتب ذلك بسويداء قلوبنا !

" هذه انا آيات التي جعلت من قلبها مأتما لسيدتها رقية عليها السلام ، فالطريق الى السماء يبدأ من الثرى " .

المهندسة زينب الجيزاني