الرحلة بين الشام وكربلاء ؛ رحلة لا يعرف عنائها  وحزونتها الا اهل البيت عليهم السلام ومن كان مسافرا فيها ، سيما وأنها رحلة المصابرة والصبر وجبله السيدة زينب عليها السلام .

نعم ، أنها جبل الصبر المثقل بوجع فقد الأحبة وصوت القيود التي ادمت معاصم السبايا  ، حتى فاقت بقدرتها على التحمل ما تستطيعه الجبال ، إذ انها ـ السيدة زينب عليه السلام ـ تمر مر الثقال عفة وطهارة على عكس ما يصفه القرآن الكريم للْجبال إذ " تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ " ، مقتدية بابيه امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في تحمل المصائب والصبر عليها بعد ان ابتلوا بأشباه الرجال حتى ُملئت قلبيهما العطوفين قَيْحاً وَشَحَنْت صدورهما غيضا وتجرعا من ذلك نغب التهمام .

ما رأيت الا جميلا !!!  ... سيدتي زينب اي جميل رأتيه ؟؟؟

سؤال يتردد في ذهن كل من كان جالسا في مجلس يزيد اللعين حيث اللبوة العلوية تخطب قائلة : " مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ، وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ، ثكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ ..... ، لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي ، وَ قَطَعْتَ فَرْعِي ، وَ اجْتَثَثْتَ أَصْلِي ، فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ " .

فصبرا جميل يا ابنة الزهراء ، والله المستعان ، فبعد عناء سفرك الطويل هذا ، حيث العودة من خربة الشام صوب هياكل القداسة وجثامين الطهر ، ولقياك الحسين وصاحب لواءه العباس المغوار ، ترى ... ما هي كلمتك الأولى ؟ وكيف ستكون آهتك الحرى ؟ وهل سيكون انينك كأنين ليلة العاشر من محرم ؟ ام سيكون لك موقف أخر ؟

وأي موقف هذا سيدتي ، إذ الامانة ردت لأهليها ، والوديعة استرجعت !!! إذ الرؤوس المشالات تنزل من على رؤوس القنا الى رياض قبورها المطلة الى فردوس الله حيث النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

ترى ... ما الذي سينطقه الرأس المحمدي العلوي الفاطمي الشريف ساعتئذ ، وهو القارئ للقرآن والتالي لذكر الحنان المنان؟

وماذا سينطق هذه المرة وهو يرى زينبه الطهور مدماة بألم الفراق وانذهال النسوة العيال ؟ ام أنه سيصمت في محرابك مستمعا هذه المرة لأنين صوتك القرآني ؟

نعم سيدتي ... ستصلين اليوم الى كربلاء ، وستطلقين لعينيكِ زمزم الدمع الذي امسكته طوال رحلتك الموغلة بالألم ، مواساة منك لمن معك في ضعن الفواطم ، ستطلقينه ، ليغتسل به كل المظلومين والمحرومين والمحزونين .

ان احزمي الصبر ، الى اللقيا يا ابنة الزهراء ، فها هو الحسين يستقبلك بدمعه ، وها هو العباس يكفلك بكفوفه عند حافة الكوثر في جنة ليس غير ابيك من يمهرها بالمرور ، خذي منها حتى ترضين ، فإنه اليكِ ـ وإن كانت مجمرة بنار الخيام ـ بردا وسلام.

وسلام عليك ايتها العالمة غير المعلمة والفهمة غير المفهمة ، يا حفيدة الكبرى خديجة ونائبة الزهراء فاطمة . 

سأكتفي بالقول وأنا سميِتكِ : ان كل جرح فيكم ـ اهل البيت ـ درس لنا !!!

هي زينبٌ لو كنت تعرف زينبـــــا    الصون يخفرها ... فسائل يثربا

أختُ الحسينِ ومن أتمت بعـــــــده   نهج الجهاد وقارعت نوب السبا

وتعلمت من أمها مكنون منـــــــــا   أوحى النبيُّ لها وما قــــــد غيبِّا

قد الهمت اسرار نهضة كربـــــلا    واستوعبتها وهي في عهد الصبا

حتى إذا وافى المحرَّمُ واغتــــــدت   بالطف ثاكلةً بمن سنــــــوا الإبا

أبدت جميل الصبر وهي وقــــورةٌ    لم تشك مما نابها واعصــوصبا

رأت الحماة مجزرين على الثــرى   وجسومهم نهـب الأسنة والضبـا

رأت العدى تبتزُّ منها حُليَهــــــــــا    خمارها والنـار تلتهم الخبــــــــا

رأت الرؤوس على الرماح مُضالةً   والسوط يقرع متنها إن تنحبــــا

ورعت يتامى صارخين ومالهـــــم   من مصرخٍ وحمت عليلا متعبـا

لله ما احتملته بنت المصطفــــــــى   في السبي إذ لم تلف ندبا طيبـــا

يحدو بها عليجٌ بغير ترفــــــــــــقٍ   فيجوب بيداءً ويقطع سبسبــــــا

وينال من سب الوصي وشتمــــــه    يا للرزية وهي تندب وا أبــــــا

  

زينب الجيزاني