(( إن الله لا يظلم مثقال ذرة )) ( النساء ـ 40)
العدل من الصفات الجمالية لله تعالى ، وقد نفى الله عن ذاته نسبة أيّ نوع من أنواعِ الظُلْم ، كونهِ ((قائماً بالقِسط)) ، ورغم هذه الحقيقة العقائدية المهمة والتي تعد من اصول الدين إلا ان المسلمين قد اختلفوا فيها وفي في تفسير الآيات الكريمة التي تعالج موضوع العدل والعدالة ، ووضعوا في سبيلها نظريات كثيرة ومتعددة ، أولها النظرية العدلية وهي التي تؤيد بأن العقل البشري السليم يدرك بنفسه حسنَ الأفعال وقبحها، وحيث إن الله مستجمع بذاته لجميع صفات الكمال ، لذا فاَنّ فعلَه كاملٌ ومنزّه عن كل فعل قبيح، وبالتالي سيعامل عباده بالعدل ولا يظلم أحداً منهم أبداً ، إذ تبنى هذه النظرية بل كان في طليعة المؤمنين بها هم الشيعةُ الامامية الاثنا عشرية حسب (لا جبر ولا تفويض) ، مستفيدين بذلك من تفسير الآية المباركة (( إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون (( ( يونس ـ ٤4) .
بينما تقابل هذه النظرية نظرية اخرى ، مفادها أنّ العقلَ البشريّ عاجز عن إدراك الحُسن والقُبح في الأفعال، أي أن الإنسان لا إرادة له ولا اختيار، وهو مجبر على فعل المعاصي ، وتسمى هذه النظرية بنظرية الجبر ، وهو ما نجده مرفوضا لأن كلَّ إنسان يدرك بنفسه الحسن من القبيح، ولهذا احتكم القرآنُ إلى العقل واللبّ، ودعا إلى تحكيمه أكثر من مرة إذ قال ((أفَنَجْعَلُ المُسْلِمين كَالْمُجرِمِين () مالَكُمْ كيْفَ تَحْكُمُونَ )) ( القلم ـ 35ـ36) .
ولو سلمنا لهذه النظرية ، لناقضنا ما وجد من العدل التشريعي في الكتب السماوية ، التي تهدي الانسان الى الطريق القويم وتوصله الى التكامل ، ولاستهجنا وجود الثواب والعقاب كونهما بدون حكمة ، ولتساءلنا ايضا عن سبب بعث اللهُ أنبياءَه ورسُله وزوّدهم بالبيّنات والمعاجز ترغيباً لعبادِهِ في الطاعة، وتحذيراً لَهُمْ عن المعصيَةِ .
أما ثالث النظريات ، فهي نظرية التفويض ، ومفادها أن ارادة الانسان منفصلة عن ارادة الله، وأنه سبحانه لا يستطيع الحيلولة دون عمل يريد الإنسان القيام به، والملاحظ عليها ـ النظرية ـ احتواءها على اتهام لله بعدم الهيمنة والسيطرة على العباد و عجزه عن ذلك، وهذا رأي المعتزلة القائلون فيها .
وهنا ثمة سؤال يطرح بنفسه على طاولة البحث والتحري . هل من المعقول أن الحكمة الإلهية اغفلت مسألة الهدف من خلق الانسان ، فكان خلقه عبثاً ؟؟
حاشى لله الذي أوجد لكل شيء سبباً ، إنّ الله تعالى خلق الإنسان وكان لخلقه وإيجاده هدفٌ خاصٌ، وهو وُصول الإنسان إلى الكمالِ الإنسانِي المطلوبِ الذي يتحقّق في ظلّ عِبادةِ اللهِ وطاعتهِ ، كما وأن الإنسان إذا عرف أنه يعيش في جميع أحواله وفق العدل الإلهي ، فقطعا انه سيعرف مصيره وتطمئن نفسه وروحه، ولا يهمه إلا إن يؤدي واجباته الدينية الملقاة على عاتقه في جميع الأحوال، ولا ينسب أخطائه لغيره ويتهم ربه في سوء عاقبته ودنياه ، لأنه يعرف أن ذلك لا ينفعه في شيء ولا يغير مصيره الذي يكتبه بيده ، فالله سبحانه يأمرنا بالعدل ، تبشرا مرا وانذرنا أخرى ، وتتدخل إرادته الكريمة في كل ما فيه مصلحة الإنسان وخيره ، فلا جبر ولا تفويض .
نغم المسلماني
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري