" شاء الله أن يراهن سبايا " ...
بهذه الكلمات الراضية وبهذه النفس المرضية ، أجاب الإمام الحسين (عليه السلام) أخيه محمد بن الحنفية (رض) عندما سأله عن سبب اصطحاب النساء والعيال معه في مسيرته الى كربلاء، وكانت على رأسهن السيدة الجليلة زينب الكبرى ، التي برزت من بين هؤلاء النسوة الهاشميات، ليخلدها التأريخ ولتغير مجراه بحياتها القصيرة التي عاشتها بعد استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فقد أدارت دفة الأحداث بصبرها وقوتها، وحولت الانتصار العسكري ليزيد (لعنه الله) الى هزيمة نكراء ، وذلك من خلال وقوفها بوجهه ، وتلقنه درسا ما زال يتردد على فم الزمان ، فلم ير أمام عينيه ما كان يرنو اليه بقتل الهواشم ، إذ فشلت مساعيه بإخذ ثأر أجداده ومعادلة هزيمتهم ببدر من خلال محولته لمحو ذكر السلالة المحمدية ، إذ اعتقد خاسئا من خلال نيران حقده ان يرى العقيلة الهاشمية وحيدة ذليلة منكسرة بين يديه، وأنى له ذلك ، وحكمة الله قد شاءت أن تأتي النساء مع الإمام الحسين (عليه السلام) الى ارض كربلاء لكي تشاهد المعركة وقساوة الأعداء، وتنقل الصورة الى الناس كما هي بحقيقتها لا كما صورها يزيد وزمرته،
وهنا تبلور الهدف الأسمى للعقيلة ( علسها السلام ) من خلال نقلها الحقائق بدور اعلامي عد محوريا في معركة الطف ، فلولا مواقفها الرائعة التي اكملت بها مسيرة الحسين (عليه السلام) ما كانت تخلدت هذه الواقعة، ولما أصبح ركب السبايا الهاشميات وضربهن بالسياط وشتمهن صورة مؤلمة خالدة لا تُمحى من قلوب الموالين .
ولو أغمضنا أعيننا لوهلة ، ونترك لخيول خيالاتنا الجموح ، لنستعيد صورة تلك المصيبة ، ولشنفنا اذان وعينا وبصيرة بصرنا بمآلات ذلك ، والدهشة تملئ الفكر منا على ما تحملته ( عليها السلام ) من مصائب، وكيف صيرت نفسها جبلا من الصبر وتحمل الحزن بما لا يسعه قلب ، إذ ان فقدها لأولادها واخوتها بل وكل من تحب، لتكون بلا كافل ولا حام ، لم يبقى لها غير الأطفال والنساء المثكلات، وابن أخيها العليل الذي رمت بنفسها بدلاً عنه، كي لا يُقتل ويلتحق بمن سبقه، ولعل أصعب المواقف التي مرت على قلبها، وقوفها في مجلس يزيد وهو يضع رأس الإمام الحسين (عليه السلام ) ينكته بمخصرته وينشد أبيات التنكيل والشماتة والسخرية بهذا المنظر المروع والمؤلم وبتلك الحالة الموجعة، شدت عزائم صبرها وقدمت إيمانها بالله على حزنها ، وأطلقت خطبتها التي بدأتها بقول " الحمد لله رب العالمين " ، فكان حمدها لله وثناءها عليه، كسم على قلب يزيد الذي انتظر منها الجزع والهوان ، الا انه قد ذهل بها بعد ان سمعها قد حمدت الله واثنت عليه رغم ما اختبرته من المواقف المؤلمة، ولم تبدي لأعدائها إلا القوة .
لأجل هذا وذاك ، استحقت أن تُلقب بـ (جبل الصبر وأم الأحزان ) .

نغم المسلماني