بسم الله الرحمن الرحيم () فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ () ( سورة آل عمران ـ37)
نظراً لما يقاسيه المجتمع من جرّاء ابتعاده عن المعين المبين للمنهج الحق، وحثاً على تدّبر كتاب الله في شهر البركات واستلهاماً من نص الآية المزينة لهذه الورقة انطلقنا بمعالجة ظواهر اجتماعية سببها غفلتنا عن الآية الكريمة فسمينا مقالتنا بـ ( أنى لك هذا ) .
تطرح المقالة قضايا مجتمعنا وأسرتنا وأفردنا كل بحسب مسؤوليته في عرض تصرّفاته على القران الكريم ثُمَّ تقويمها وأخذ الطريق الأنجع والأمثل لحلّ مشاكلنا الفردية والأسرية والاجتماعية منه ، تتسلسل فيها من الإدارة المعرفية الفردية إلى الإدارة التربوية الأسرية وصولاً إلى الإدارة الثقافية للمجتمع الإسلامي .
ـ الفرد بما هو فرد :
نسأل الفرد ( أنى لك هذا ) من أفكار ، معتقدات، قيم، أخلاقيات، سلوكيات، فان وجد لها وجه قرآني حث عليه الله، أُخذ به، وإذا كان فيه وجه نهى الله عنه تركه .
- الأفكار :
قلي بربك من اين لك فكرة التحرر من الدين ؟ هل هو نتاج غربي استقبله عقلك من قنوات الشبكات العنكبوتية التي اصطادتك؟ ام هي جاهلية ثانية ورثتها مما كان يعبد عطاءك عقلا لتعرفه به من نفسك ومعجزات جسمك لكنك اخترت تكبيل فكرك بخيوط العنكبوت الذي اصطادك ؟ أنى لك هذا ؟ ارتدي قبعة مفلترة لا تسمح لكل الأفكار أن تخترق عقلك فلعلها فيروس يقتل خلايا ضميرك ويحولك دمية اعتادت تلقي معلومات تبرمج عليها ممن هب ودب ، ان كنت موردا عقلك فكرا فممره عبر تصفيات كتاب ربك فما وافق فخذ وما طرح فاطرح .
- الأخلاق :
أنى لك سيدتي أن تكوني خليلة لهذا وصديقة لذاك ؟ هل وجدتي مصداقا له في نساء الأنبياء أو الصالحين ؟ كوني جوهرة لا يمسها إلَّا المطهرون ,علّمي من حولك ان يقبلك عقلاً يحاوره لا جسدا يُمتعه، فكلنا أرواح صبت في قوالب جسدية هدفها أن تسموا بمكارم الاخلاق .
- الحقوق:
( انى لك هذا ) المال ؟ هل حاسبت نفسك قبل المحاسبة وأديت الحقوق ؟
الكَيِّس مَنْ دانَ نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجِزُ مَنْ أتْبَعَ نَفَسَهُ هَواهَا وتمنَّى على الله ، في داخلنا إضاءة تُسمىَ الضمير إن أبصرت، دعمت صاحبها بِالحياة و إذا تلاشت !! فلا حياة, قرآننا منهج حياة يعلمنا كيف نسمو
بما نتزكى من اموالنا (( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) ( التوبة ـ 103 )
- النعمة :
( انى لك هذا )، نسأل النفس البشرية ... أنى لك هذه القدرات ؟ وهل عرفت المنعم ؟ وأديتي حق شكر النعمة؟ هل استفدت من عقلك ام خدرته ؟ هل أنت ممن نعتوا بأولي الألباب ام انت ممن قال عنه القران (( مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً )) ( الكهف ـ 28 ) ، هل كنت عبدا شكورا ؟ ام كنت ممن إذا أُنعم عليه اعرض ونأى بجانبه ؟
الـحمد لله أقصـى مَبلَغِ الـحَمــــدِ والشُكـــرُ لله مِن قَبـلٍ ومِن بَعــدِ
الـحمد لله عن سَـمعٍ وعن بَصَـرٍ الـحَمدُ لله عن عقـلٍ وعَن جســدِ
ـ الفرد في الاسرة :
أسال ابنك وبنتك : ( انى لك هذا ) فقد سال زكريا (( يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا )) (ال عمران ـ 37 )
وعلمهما كما علم لقمان ابنه وقال له (( يَـبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِي صَخْرَة أَوْ في السَّمَـوَتِ أَو في الاَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ )) (لقمان ـ 16) ، علم ولدك القران الكريم والقرآن يعلمه كل شي ,واسأله وتابعه واسألها واسأله من اين جاء بهذه الحوائج حتى وان كان قلما صغيرا .
الزوجة تسال : ( انى لك هذا ) مصداقه آسيا امرأة فرعون، لتسأل الزوجة زوجها عن لقمة الحلال قبل تناولها، ولتسال ولدها عن الفرعون الذي ترعرع في داخله ولم يكن من نتاجها من اين لك هذا ؟
البنت تسأل : ( انى لك هذا )، فلتسأل الشابة أبوها لماذا قبلت بهذا الخاطب لي ؟ اني احتذيت ببنت شعيب حين قالت (( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ )) (القصص ـ 26) ، فبمن احتذيت حين فضلت من لم يزده ماله إلا خسراً ، أسالك يا والدي عن صهر الرسول وزوج البتول ماذا كان يملك حتى فضله رسول الله على أغنياء أصحابه الذين طلبوا سيدة النساء زوجاً لهم؟ أنى لك تطلب غالي المهور ؟ أفي سنة نبيك وجدتها؟ أم هي جاهلية ابتدعتها مجتمعاتنا التي شيئت المرأة حتى صارت سلعة تباع وتشترى .
كانت هذه أسئلة طرحها فرد يتيم في هذا المجتمع قد انس بالقران منبعاً ومنهجا ً، وسنتابع هذا اليتيم فكرا كيف يخوض غمار حربا عندما يدخل المجتمع .
ـ الفرد في المجتمع :
فليسأل الشعب رموزه وممثليه (انى لك هذا ) مصداقه سؤال الشعوب أنبياءهم في القران الكريم .
فليسأل المثقفون من يروج أفكار خارجة عن الدين والأخلاق التي تربينا عليها ( انى لكم هذا )، لا نريد ما يأتي من الغرب في الجملة ولا نريد ما وجدتم عليه آباءكم .
ليسأل الجار جاره ولتسال الشعوب بعضها ولنصل إلى كلمة سواء بيننا وبينهم (انى لنا هذا ) من نزاع وخلاف لم يكن موجود .
( انى لك هذا ) لتكن ثقافة تدير مفاصل الدولة والمجتمع لتُحفظ الحقوق وتراعى الحرمات ويعود المجتمع إلى ما أسس له القران الكريم .
ـ ( انى لك هذا ) ؟ قوانين ... للفرد ، للأسرة، للمجتمع .
ـ للفرد :
- قانون الاعتزال للفرد : مصداقه انعزال إبراهيم عليه السلام عن قومه ليعيد صياغة ذاته ( أنى لك هذه العزلة ) .
- الاقدام في الحق ولو كنت مفردا : ( أنى لك هذا الإقدام ) ، مصداقه ( كان إبراهيم امة ) .
- قانون السكوت : ( انى لك هذا الصمت ) ، مصداقه ( نذرت للرحمن صوماً )، سيدتي اصمتي كما صممت مريم .
- قانون ( عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ، كن أنت سالم, صالحا .
ـ للأسرة :
- ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) ، (انى لك هذا ) (عدل؟ ام تفريق ؟ ام ظلم ؟) سيجزي الله الصابرين .
- ( يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) (أنى لك هذا) قانون الأبوة .
- (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ( انى لك هذا )، قانون الأخوة كن هارون ولاتكن كأخوة يوسف.
- (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أ هْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)، ( أنى لك هذا ) ، قانون رعاية الكبير للصغير .
ـ قوانين للمجتمع :
- ( انى لك هذا ) من ( البركة والايمان ) مصداقه (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) .
- (انى لك هذا) قانون التعارف والتقوى ، مصداقه (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )).
- ( أنى لك هذا ) قانون مع من ... (الأكثرية او الأقلية ) ؟ مصداقه (( وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ )) (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ )) .
- ( قانون انى لك هذا ) ، قانون أشداء او رحماء ؟ مصداقه ، (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) .
ـ الختام :
ـ من أين لك هذا ؟ جوابه ، هذا من فضل ربي .
ـ بدأنا بمحاسبة أنفسنا, أسرنا, مجتمعنا، تحت شعار ... ( إنا لك هذا ) ، ثُمَّ جعلنا سلوكنا تحت منهج الله فتعلمنا من القران بفضل ربنا قوانين تجعلنا صالحين .
ـ ماذا تعلمنا ؟ ( رحم الله إمرءا علم من أين والى أين وفي أين ) .
ـ النتيجة هي لا تنسى حظك من الدنيا , وان العاقبة للمتقين, وأن الجنة موطنك السعيد .
د. مواهب الخطيب
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري
