بتأريخ 24/12/2020

في شقتها الفارهة أعادت شريط نجاحاتها وصولاً إلى لحظة الانهيار ..

بعد مرور زمن ليس بقليل من أخذ شهادة التخصص في جراحة المخ والأعصاب

بدأت تسترجع ذكرياتها الزاخرة بالنجاحات والشهادات التقديرية و دروع مرتبة الشرف وبراءة الاختراع الحاصلة عليها من أفضل الجامعات وأكثرها شهرةً وكفاءة ..

تتصفح ألبوم الصور

ها هي ذا تتحدث بثقةْ و طموح عن مشرع تخرجها الفريد من نوعه الذي أبهر الحضور  ..

هنا تُسجل براءة الاختراع لإحدى الطرق العلاجية باسمها ..

في هذه الصورة لم تكن فرحتها تسعها وهي تلتقط الصورة مع درع مرتبة الشرف في تخصصها ..

هنا تسير بقوامها الرشيق وطولها الفارع بخطى واثقة مع أحد مدراء أقسام جراحة المخ والأعصاب ..

هذه الصورة الأخيرة بتاريخ 24/12/2005 التي تجمعها بعائلتها بعد أن رسمت الفرح والفخر على محيّاهم ..

انتابتها نوبة البكاء ثانيةً أجهشت في بكائها وتعالى صوتُ نشيجها وكأنها تحاول إجبار روحها بالالتحاق بهم في السماء لكن كـ كل مرة تفشل مازالت هذه الروح ملتصقةً بالجسد الذي أعياه السقم والغم ..

ما زالت تتذكر مشاعرها حجم ألمها بعد أن استيقظت في المستشفى وأخبروها بأن جميع عائلتها رحلوا إلى السماء وتركوها وحدها لتقاسي هذه الحياة كانت تريد كف والدها ليحنو عليها ويمسح على رأسها و تود احتضان والدتها فقط لتودعها علّ روحها تصعد معهم تمنت مشاكسة إخوتها ولو للمرةِ الأخيرة لكنها لم تحظى بأيٍ من هذا ..

بعد عامين من ذلك الحادث الذي أودى بحياة عائلتها ولم يبقى منهم سواها على قيد الحياة استعادت عافيتها الجسدية أكملت مسيرتها المهنية لكن روحها انطفأت يوم رأتهم بدمائهم فاقدي الوعي بل فاقدي الروح نفسها ..مازالت تلك الصور تحفر ذاكرتها تسلب النوم من عينها كل ليلة كما تسلب روحها أيضاً..

 ملاذها الوحيد هو الدخول لغرفة العمليات كأنها تريد إنقاذ الناس جميعاً كي لا يعيشوا مرّارة الفقد ويتجرعوه كما هي..

مرّت السنوات خارت قواها أضناها الوهن و مزقتها الوحدة سلبها الإكتاب المقيت ابتسامتها حتى باتت تنام مكرهةً على المهدئات و تحيّا على مضادات الإكتاب والقلق  ..كانت كل ليلة تتقوس على نفسها كـجنين لتشعر بذلك لكن العالم لم ولن يتحول إلى رحم أمها وهذا لا يمكن تجاوزه ..لكن هذه الليلة كانت مريرة جداً على فؤادها فهي ليلة الحادثة التي يُجدد الألم فيها نفسه حتى بعد مرور خمس عشرة عاماً عليها ..

أثناء انتحابها وبكائها الشديدين جاءها اتصال هاتفي من المستشفى وبحاجة جراح بتخصصها لأن هناك حادث سيارة مات كل مَنْ فيها عدا بنت بعمر السابعة والعشرين وبحالة حرجة جداً وتحتاج عملية فوراً ..عزمت أمرها بأن تنقذ هذه الصبية أدارت محرك سيارتها ولم تجف دموعها من على خديها وإنطلقت لتُحيّ روحاً رغم شديد علمها بما ستحيّاه من ألم الفقد وهوانه ..

أجرت العملية وأنقذت الشابة وبقيت تتأملها حتى تستفيق فقط كي لا تجعلها تتجرع غربة الروح لوحدها ..بعدما أكثرت الشابة من السؤال على أهلها أين هم ؟كيف حالهم ؟هم بخير أليس كذلك ؟ كانت النظرات تتبادل بين الممرضة والطبيبة مَنْ سيخربها كلٌّ منهما يتوسلُ الآخر بنظراته أخبريها أنتِ بل أنتِ ..حتى حُسم الأمر فانهارت من البكاء تعالت صرخاتها كان الوجع فاق قدرتها حتماً هو لا يُوصف أن يفقد الإنسان عائلته بأكملها ..أخذتها بكنفِ أحضانها وراحت تبكي حالها وحال الصبية فالوجع واحد مهما مرت سنين العمر به ..أخذهم النوم قبل أن تجف الدموع على وجنتيهما كأنهما أختين من رحم الوجع ذاته ..لم يكن لهذه الشابة أقارب لتعيش معهم فتوسلت الطبيبةُ بها أن تعيش معها وتصبح أختها وستتكفل بما تبقى من تعليمها وعاشتا حياةً رغيدة يقتسمان الوجع و الفرح على حدٍ سواء.. ويحمدان الله على ما أخذ وعلى ما أعطى..

هاجَر الأسدي