كثيرًا ما نلاحظ سلوكياتٍ اندفاعية لدى الأطفال، كالصراخ والتذمّر والبكاء الشديد حين لا يحصلون على ما يرغبون به، هذه المظاهر قد تبدو للوهلة الأولى مجرد ردود فعل بسيطة، لكنها في الواقع تحمل دلالاتٍ نفسيةً وتربويةً عميقة، فقد تكون انعكاسًا لتجارب سابقة اختُزِنت في ذاكرة الطفل، أو وسيلةً اعتاد من خلالها لفتَ الانتباه وتحقيق مطالبه.
تشكّل هذه السلوكيات مدخلًا مهمًا لفهم ظاهرة عصبية الأطفال وأسبابها المتعددة، التي تتراوح بين العوامل النفسية والتربوية والبيئية، وما يمكن أن يقوم به الأهل والمربّون لتوجيهها نحو سلوكٍ أكثر توازنًا وهدوءًا.
ومعالجة عصبية الطفل تحتاج إلى مزيجٍ من الفهم والصبر والاتساق في التعامل، الهدف ليس قمع الغضب، بل تعليم الطفل كيف يعبّر عن مشاعره بطريقةٍ صحيّةٍ وآمنة. ولكي نحقّق ما نهدف إليه، لا بد من اتباع أساليب فعّالة لمعالجة هكذا مواقف، منها:
الفهم قبل التصحيح:
أي محاولة فهم السبب وراء العصبية: هل هي جوع؟ تعب؟ شعور بالظلم؟ قلق؟ كثير من السلوكيات الصعبة تكون نداءَ استغاثةٍ غير مباشر من الطفل.
الهدوء أمام العاصفة:
عندما يبدأ الطفل بالصراخ والانفعال والعصبية، لا تردّ بعصبيةٍ على عصبية الطفل، الأطفال يتعلمون من ردود أفعالنا أكثر مما يتعلمون من كلماتنا. هدوؤك يعلّمه التنظيم الذاتي، بينما غضبك يبرّر غضبه، فلا تجعل الطاولة تنقلب عليك، كن سيد الموقف.
التعبير بالكلام لا بالصراخ:
علّم طفلك أن يعبّر بالكلمات عن مشاعره، ساعده على تسميتها، كأن تقول: "أنت غاضب لأن اللعبة لم تعمل؟" فعندما يتعلم التعبير بالكلمات، يقلّ اعتماده على الصراخ والعناد، وبالتالي يمكن التواصل معه بشكلٍ صحيح.
تحديد الحدود الواضحة:
الطفل يحتاج أن يعرف ما هو مقبول وما هو مرفوض، لكن دون تهديدٍ أو قسوة، الثبات في القواعد يخلق شعورًا بالأمان، ويخفف العصبية الناتجة عن تقلبات المزاج أو الاضطراب العاطفي، وغيرها من الأسباب التي تجعل الطفل في حالة عصبية.
التعزيز الإيجابي:
امدح سلوك الطفل عندما يهدأ أو يتحدث بهدوء، وبيّن له أنك لاحظت جهده في السيطرة على نفسه، وحاول أن تعزّز سلوكه الهادئ بمنحه مكافأة. فالتعزيز الإيجابي أقوى من العقاب.
تهيئة بيئة مريحة ومأمونة:
الطفل العصبي غالبًا حساس للمحفّزات الخارجية، كالصوت العالي أو التعرض للشاشات لفترات طويلة، احرص على تنظيم روتين يومي متوازن للنوم، والغذاء، واللعب، وتفريغ الطاقة، فاللعب الجسدي والرسم والتلوين يساعدان الطفل على تفريغ طاقته السلبية بطريقةٍ بنّاءة، فبعض الأطفال يعبّرون بالألوان أكثر مما يعبّرون بالكلمات.
القدوة الحسنة:
اجعل من نفسك قدوةً لطفلك، لأن الأطفال يقلّدون أكثر مما يطيعون، إن رأوك تواجه الغضب بهدوءٍ وحكمة، سيحاولون فعل المثل تدريجيًا.
الاستعانة بالمتخصصين:
من الضروري الاستعانة بأخصائي نفسي عند الحاجة، إذ قد تستمرّ الحالة وتتفاقم، ويصعب السيطرة على عصبية الطفل، حينها يصبح التدخّل المهني خطوةً ضرورية لمعالجة الحالة قبل أن تتطور.
وفي النهاية، العصبية ليست عيبًا في الطفل، بل مرحلة من مراحل تعلّم ضبط النفس. فالتربية الذكية لا تُطفئ النار، بل تُعلّم كيف تُضيء منها دفئًا بدل الاحتراق.
المرفقات
واحة المرأة
يعنى بثقافة وإعلام المرأة والطفل وفق طرح عصري